فصل: (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ):

(وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ، وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِهِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ):
تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْخِيَارَاتِ وَالْإِضَافَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالُعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ عَابَ الْمَتَاعُ: أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ، وَعَابَهُ زَيْدٌ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ، وَالْعَيْبُ: مَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا.
قولهُ: (وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ) ذَلِكَ الْمَبِيعَ (بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يُنْتَقَصُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْخِيَارُ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ) وَهُوَ مَا لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ عَيْبٌ (يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ) بَيَانُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَنْقول وَالْمَعْنَى.
أَمَّا الْمَنْقول فَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: «كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَبْدًا لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةً وَلَا غَائِلَةَ» ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ.
وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَهْبٍ أَبُو وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنُ هَوْذَةَ: «أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْت بَلَى، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» فَفِي هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْعَدَّاءُ.
وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَصُحِّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ الْعَدَّاءَ وَتَعْلِيقُ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَيُذْكَرُ بَلْ بِنَحْوِ قولهِ، وَقَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ.
فَفِي قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ مَا كَانَ سَلِيمًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالرَّدِّ فِيهِ عَلَى مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَفَسَّرَ الْخَطَّابِيُّ الدَّاءَ بِمَا يَكُونُ بِالرَّقِيقِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَنَحْوِهَا، وَالْخِبْثَةَ مَا كَانَ خَبِيثَ الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَسْبِيَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ يُقَالُ هَذَا سَبْيُ خِبْثَةٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَحْرُمُ سَبْيُهُ، وَهَذَا سَبْيٌ طَيِّبَةٌ بِوَزْنِ خَيِّرَةٍ ضِدُّهُ.
وَمَعْنَى الْغَائِلَةِ مَا يَغْتَالُ حَقَّك مِنْ حِيلَةٍ وَمَا يُدَلِّسُ عَلَيْك فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ، وَتَفْسِيرُهُ لِلدَّاءِ يُوَافِقُ تَفْسِيرَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَفَسَّرَهُ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ بِالْمَرَضِ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ، وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَائِلَةَ بِمَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَهُوَ قول الزَّمَخْشَرِيِّ الْغَائِلَةُ: الْخَصْلَةُ الَّتِي تَغُولُ الْمَالَ: أَيْ تُهْلِكُهُ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْخِبْثَةُ: هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَقِيلَ هُوَ الْجُنُونُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَخْلُوقِ انْصَرَفَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ عَلَى التَّمَامِ بِهِ يَكُونُ، وَالنَّاقِصُ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِهِ وَتَعْيِينِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ إلَى السَّالِمِ هُوَ الْغَالِبُ صَارَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ فَقْدِهِ (كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ).
قولهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) أَيْ نُقْصَانَ الْعَيْبِ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَحَقَّقُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهُ، وَالْبَائِعُ يَلْتَزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا، وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ عَالِمًا بِهِ لِطُولِ مُمَارَسَتِهِ لَهُ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَلِذَا بِعَيْنِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ.
وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَا رَضِيَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ حِينَ وَجَدَهُ سَلِيمًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ عَالِمًا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فِيهِ فَحَيْثُ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى كَانَ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ عَلَى اعْتِبَارِهِ سَلِيمًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، كَمَا جُعِلَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ غَيْرَ رَاضٍ فِيهِ مَعِيبًا إلَّا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي دَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَوْجَهُ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ قولهِ (وَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي مُقَابَلَةِ فَوَاتِهِ شَيْئًا؛ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عُيِّنَ فَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ مِثْلُهُ، وَالْوَصْفُ دُونَهُ فَإِنَّهُ عَرَضٌ لَا يُحْرَزُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يُقَابَلُ بِهِ إلَّا تَبَعًا لِمَعْرُوضِهِ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ عَنْهُ.
وَقولهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْبَائِعُ الدَّابَّةَ فَتَعَيَّنَتْ فَإِنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ يُفْرَدُ بِالضَّمَانِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ كَأَنْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعُ بِأَنْ جَنَى جِنَايَةً.
وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى بَقَرَةً فَحَلَبَهَا وَشَرِبَ لَبَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتْلَفَهَا جُزْءٌ مَبِيعٌ لَا أَنَّهَا تَبَعٌ مَحْضٌ.
فَرْعٌ:
لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ)؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ) الَّذِي اُشْتُرِيَ بِهِ (فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) وَهَذَا ضَابِطُ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ عَيْبًا أَوْ لَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَهُمْ التُّجَّارُ أَوْ أَرْبَابُ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ.
وَبِهَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ لَا يُنْقِصُهَا وَلَا يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا بَلْ مُجَرَّدُ النَّظَرِ إلَيْهَا كَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ الصَّحِيحِ الْقَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ.
وَكَمَا فِي جَارِيَةٍ تُرْكِيَّةٍ لَا تَعْرِفُ لِسَانَ التَّرْكِ.

متن الهداية:
(وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ فِي الصَّغِيرِ عَيْبٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَمَعْنَاهُ: إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ فِي الصِّغَرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَعْقِلُ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَيْبًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ) وَقولهُ (مَا لَمْ يَبْلُغْ) بِمَعْنَى مُدَّةِ عَدَمِ بُلُوغِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْبَدَلِ مِنْ الصَّغِيرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الصَّغِيرِ فَظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَتْ أَيْضًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْقُدُورِيُّ (فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَقَدْ أَعْطَى الْمُصَنِّفُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ: (وَمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قولهِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى آخِرِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَوُجِدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يَرُدَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَبَيَّنَهُ (بِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ) لِلصَّغِيرِ (لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ) فِي الصَّغِيرِ (لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ) فَإِذَا اخْتَلَفَ سَبَبُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهَا بَعْدَهُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ ظَهَرَتْ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهَا، وَإِذَا عَرَفَ الْحُكْمَ وَجَبَ أَنْ يُقَرِّرَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ قولهُ فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِعَيْبٍ إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَاكْتَفَى بِلَفْظِ الْمُعَاوَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَدَةَ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَادَ زَيْدٌ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ غَيْرَهُ، فَعَرْضُ تَحَقُّقِ الْمُعَاوَدَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُوجِبُ وُجُودَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا مُعَاوَدَةَ.
وَقولهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ: أَيْ لَا يُرَدُّ بِهِ، وَقولهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ تَقْيِيدٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُرَدُّ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا يَعْقِلُ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ إذَا فُقِدَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ، وَكَذَا لَا يَكُونُ بَوْلُهُ وَسَرِقَتُهُ عَيْبًا.
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: السَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَفْعَلُ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيْبٌ مَا دَامَ صَغِيرًا.
وَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَإِذَا قَدَّرَ بِهَا حَذْوَ مَا قَدَّرَ بِهِ فِي الْحَضَانَةِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ وُضِعَ التَّصْرِيحُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِتَقْدِيرِهِ بِدُونِ خَمْسِ سِنِينَ.
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ، هِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ كَبُرَ الْعَبْدُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ.
لَا رِوَايَةَ فِيهَا.
قَالَ: وَكَانَ وَالِدِي يَقول: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا الزَّوْجُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يُسْتَرَدُّ وَإِلَّا اُسْتُرِدَّ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ انْتَهَى.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالُوا: إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ.
وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَحُمَّ عِنْدَهُ وَكَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْمَسْأَلَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَفِي غَيْرِهِ فَلَا، فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَنَزَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَتْ تَنِزُّ عِنْدَ الْبَائِعِ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّزِّ وَاحِدٌ وَهُوَ تَسَفُّلُ الْأَرْضِ وَقُرْبُ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مَاءٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ شَيْئًا مِنْ تُرَابِهَا فَيَكُونُ النَّزُّ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَشْتَبِهُ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: يُشْكِلُ بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَجُعِلَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْجَلَى ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، وَجُعِلَ الثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَهُ إذَا عَادَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ: لَا يَرُدُّ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ كُنْت أُشَاوِرُ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ يُشَاوِرُ مَعِي فِيمَا كَانَ مُشْكِلًا إذَا اجْتَمَعْنَا فَشَاوَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فَرْقًا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا) وَمَعْنَاهُ: إذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ لِلرَّدِّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْجُنُونِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ (وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ، فَهَذَا مَعْنَى لَفْظِ أَبَدًا الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ (وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ) لِلْجُنُونِ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، فَأَثْبَتُوا حَقَّ الرَّدِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْجُنُونِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُجَنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَذَا غَلَطٌ (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ) أَيْ إزَالَةِ سَبَبِهِ (وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ) وَقَدْ حَقَّقْنَا كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جُنُّوا ثُمَّ عُوفُوا بِالْمُدَاوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ إزَالَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الدَّاءَ وَزَوَالِ الْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ بِالرَّدِّ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ قولهِ إذَا جُنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا بِأَسْطُرٍ، وَإِنْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِإِبَاقٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ جُنَّ، وَصُرِّحَ بِاشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ فِي الْجُنُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: لَا تُرَدُّ.
وَفِي الْمُحِيطِ: تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ، قِيلَ هُوَ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَ سَاعَةً.
وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِمُطْبِقٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ.
وَالسَّرِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عَيْبٌ.
وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ فَلْسٍ أَوْ فَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُ لَيْسَ عَيْبًا، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ، فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَتْ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ، وَنَقْبُ الْبَيْتِ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ مِنْهُ، وَإِبَاقُ مَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ الْبَلَدِ؟ فَقِيلَ شَرْطٌ، فَلَوْ أَبَقَ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى مِصْرَ إبَاقٌ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ.
وَلَوْ أَبَقَ مِنْ غَاصِبِهِ إلَى الْمَوْلَى فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَلَوْ أَبَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمَوْلَى وَلَا إلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ وَيَقْوَى عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَلَا.

متن الهداية:
(قَالَ: وَالْبَخَرُ وَالدَّفْرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشَ وَطَلَبَ الْوَلَدِ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهِ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِخْدَامُ وَلَا يُخِلَّانِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ (وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ)؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْجَارِيَةِ وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ، وَلَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالدَّفْرُ إلَخْ) هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءِ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ: الْبَخَرُ، وَالدَّفْرُ، وَالزِّنَا، وَوَلَدُ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ يُرَادُ مِنْهَا الِاسْتِفْرَاشُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَمْنَعُ مِنْهُ فَكَانَتْ عَيْبًا، بِخِلَافِ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ لِلِاسْتِخْدَامِ خَارِجَ الْبَيْتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَانِعَةً مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا، إلَّا إذَا كَانَ الْبَخَرُ وَالدَّفْرُ مِنْ دَاءٍ فَيَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي عَامَّةِ النَّاسِ فَيَكُونُ عَيْبًا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الدَّفْرُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَكُونَ عَيْبًا فِيهَا دُونَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَمْرَدَ يَكُونُ الْبَخَرُ عَيْبًا بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَمْرَدَ وَغَيْرَهُ.
وَالدَّفْرُ: نَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ، يُقَالُ رَجُلٌ أَدْفَرُ وَامْرَأَةٌ دَفْرَاءُ، وَمِنْهُ لِلسَّبِّ يُقَالُ يَا دَفَارُ مَعْدُولٌ عَنْ دَافِرَةٍ، وَيُقَالُ شَمَمْت دَفْرَ الشَّيْءِ وَدَفَرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا كُلُّ ذَلِكَ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ وَأَمَّا بِإِعْجَامِ الدَّالِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرَ وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ، وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرْ ذَكَرَهُ فِي الْجَمْهَرَةِ، وَفِيهَا وَصَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ شَيْخًا فَقَالَتْ: ذَهَبَ ذَفَرُهُ وَأَقْبَلَ بَجَرُهُ.
قِيلَ الرِّوَايَةُ هُنَا وَالسَّمَاعُ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبُجْرُ بِالْجِيمِ عَيْبٌ، وَهُوَ انْتِفَاخٌ تَحْتَ السُّرَّةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ النَّاسِ أَبْجَرَ، وَفِي الصَّحَابَةِ غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، أَوْ قَلْبُهُ وَسُمِّيَ بِهِ فَرَسٌ لِعَنْتَرَةَ، وَكَذَا الْآدَرُ وَهُوَ عِظَمُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالْأُذُنُ عَيْبٌ، وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ الْمَاءُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ، وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِقَلَحٍ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا.
وَوَجْهُ كَوْنِ الْجَارِيَةِ وَلَدَ زِنًا عَيْبًا بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَلَدَ زِنًا عُيِّرَ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ.
وَقولهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا لَهُ عَادَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قولهِ دُونَ الْغُلَامِ.
وَقولهُ (عَلَى مَا قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ) إذْ كُلَّمَا وُجِّهَ لِحَاجَةٍ اتَّبَعَ هَوَاهُ.
وَقَالَ: قَاضِي خَانْ: لَوْ كَانَ الزِّنَا مِنْهُ مِرَارًا كَانَ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَيَزْدَادُ بِالْحُدُودِ ضَعْفًا فِي نَفْسِهِ انْتَهَى.
بَلْ وَفِي عِرْضِهِ وَرُبَّمَا تَأَذَّى بِهِ عِرْضُ سَيِّدِهِ.
وَمِنْ الْعُيُوبِ عَدَمُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ الْمَوْلُودَيْنِ الْبَالِغَيْنِ، بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّغِيرَيْنِ، وَفِي الْجَلِيبِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا.
وَفِي الْفَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَهَذَا عِنْدَهُمْ: يَعْنِي عَدَمَ الْخِتَانِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَةِ، أَمَّا عِنْدَنَا عَدَمُ الْخَفْضِ فِي الْجَوَارِي لَا يَكُونُ عَيْبًا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا)؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ.
وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَفَوَاتُ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْكَافِرِ) لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ، وَفِي إلْزَامِهِ بِهِ غَايَةُ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يَأْمَنُهُ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَاِتِّخَاذِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ إلَيْهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إعْتَاقِهِ عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ خَطَإٍ فَتَقِلُّ رَغْبَتُهُ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَيْبِ، وَالنِّكَاحُ وَالدَّيْنُ عَيْبٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ يَرُدُّهُ بِهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنْ جَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى بَاعَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَبَعْدَ الْعِتْقِ قَدْ يَضُرُّهُ فِي نُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ.

متن الهداية:
(قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ)؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقول الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَهُوَ عَيْبَ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ) فِي أَوَانِهِ (وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ) فَكَانَ الِانْقِطَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ دَلِيلًا عَلَى الدَّاءِ وَالدَّاءُ عَيْبٌ، وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْمَرَضُ مِنْ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَانِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِسِنِّ الْإِيَاسِ فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ لَيْسَ عَيْبًا حِينَئِذٍ فَحَقِيقَتُهُ التَّعَيُّبُ فِيهِمَا بِالدَّاءِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ بِعَيْبِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَدَّعِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ مِنْ الْحَبَلِ أَوْ الدَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ بِدُونِهِمَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا، وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قول النِّسَاءِ، وَفِي الدَّاءِ قول الْأَطِبَّاءِ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَيْبُ بِقول الْأَطِبَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ مَعَ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ قول امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِي الْحَبَلِ.
وَفِي الْكَافِي: نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الْمَرَضِ الْبَاطِنِ بِقول طَبِيبٍ عَدْلٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةُ، وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ.
وَفِي التُّحْفَةِ: إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَالْأَطِبَّاءِ وَالنَّخَّاسِينَ، فَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مُسْلِمَانِ أَوْ قَالَهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ قُبِلَ، وَيَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْخُصُومَةِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاحِدٌ ثَبَتَ الْعَيْبُ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى، ثُمَّ يَقول الْقَاضِي: هَلْ حَدَثَ عِنْدَك هَذَا الْعَيْبُ؟ (أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ) أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا (سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ الِارْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ (بِقول الْأَمَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ (فَإِذَا انْضَمَّ إلَيَّ قولهَا نُكُولُ الْبَائِعِ) إذَا اُسْتُحْلِفَ (قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ رُدَّتْ) وَاحْتَرَزَ بِقولهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقولهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.
وَعَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ بِقول النِّسَاءِ.
وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ، ثُمَّ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ، فَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً قَصِيرَةً لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً مَدِيدَةً سُمِعَتْ.
وَالْمَدِيدَةُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بِسَنَتَيْنِ، وَمَا دُونَ الْمَدِيدَةِ قَصِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَخَذَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِذَا سَمِعَ الدَّعْوَى يَسْأَلُ الْبَائِعَ أَهِيَ كَمَا ذَكَرَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَالَ: هِيَ كَذَلِكَ لِلْحَالِ وَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدِي تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهَا لِلْحَالِ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي شُهُودٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَتُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى الِانْقِطَاعِ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ هَلْ يُسْتَحْلَفُ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ، وَهَذَا يَنْبُو عَنْ تَقْرِيرِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُ تَقْرِيرَ الْهِدَايَةِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ، هَذَا مَا ذَكَرَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَبَضَهَا فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ، وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ إذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْتَهَى.
وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَشْتَرِطُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَكْثَرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قول زُفَرَ سَنَتَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قول لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالرِّوَايَةُ هُنَاكَ لَيْسَتْ وَارِدَةً هُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ هُنَاكَ بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا مَضَتَا ظَهَرَ انْتِفَاؤُهُ فَجَازَ وَطْؤُهَا وَهُوَ أَقْيَسُ.
وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا يَظْهَرُ الْحَبَلُ غَالِبًا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عِدَّةَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يَتَّجِهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُدَدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى الدَّاءِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا ذُكِرَ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي دَعْوَى الِانْقِطَاعِ لِلرَّدِّ بِهِ إلَى تَعْيِينِ أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ أَوْ دَاءٍ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الدَّاءِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَاءٍ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَحَدِهِمَا، بَلْ إذَا ادَّعَى الِانْقِطَاعَ فِي أَوَانِهِ فَقَدْ ادَّعَى الْعَيْبَ، وَيَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ مُسَبَّبًا عَنْ دَاءٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فَيَكْفِي فِي الْخُصُومَةِ ادِّعَاءُ ارْتِفَاعِهِ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَلَّمَا يَظْهَرُ لِلطَّبِيبِ دَاءٌ بِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ صَحِيحَةً لَا يَظْهَرُ بِهَا دَاءٌ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قولهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقول الْأَمَةِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقول الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهَا، فَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُهُ لُزُومَ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى عَيْبِ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَثْبُتَ بِقولهَا حِينَئِذٍ تُوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، بَلْ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى قول الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ لُزُومِ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، ثُمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى قول الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ لَيْسَ تَقْرِيرَ مَا فِي الْكِتَابِ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ آخَرُونَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُمْ.
وَكَذَا مَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ وِزَانَ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِكْرًا وَقَالَ الْبَائِعُ بِكْرٌ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتَيْنِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ حَلَفَ أَنَّهَا بِكْرٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ هُنَا يُوجِبُ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِمُجَرَّدِ قولهَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَالْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْبَكَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ النِّسَاءِ، وَكَيْفَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِ الِانْقِطَاعِ إلَّا قولهَا، بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لَهَا طَرِيقٌ تُسْتَعْلَمُ بِهِ فَلَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قولهَا.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقول الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ إنْ كَانَ احْتِرَازًا عَنْ قول أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقولهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ، فَإِنَّ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرَنِ وَقِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ، وَقول النِّسَاءِ هُنَا إنَّهَا مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الِانْقِطَاعِ الْكَائِنِ عَيْبًا لَا تُقْبَلُ إذْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَالْعَتَّابِيِّ وَهُوَ مَا صَحَّحْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ وَوُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِمَا رُدَّتْ عَلَيْهِ.
وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِالِانْقِطَاعِ فِي الْحَالِ اُسْتُخْبِرَتْ الْجَارِيَةُ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا قول الْمُصَنِّفِ تُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ فَاسْتُخْبِرَتْ فَأَنْكَرَتْ الِانْقِطَاعَ، وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تُقْبَلَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا، وَيَجِبُ كَوْنُ الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ حَلَفَ تَعَذَّرَتْ، وَلَعَمْرِي قَلَّمَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ إلَّا وَهُوَ بَارٌّ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَحِضْ، وَكَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النِّهَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي صُورَةِ الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّ الْقول قولهَا فِي الِانْقِطَاعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ أَيْضًا، وَهَذَا تَعْدَادٌ لِلْعُيُوبِ عِدَّةُ الْجَارِيَةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ عَيْبٌ لَا عَنْ بَائِنٍ وَالنِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا، وَكَثْرَةُ الْخَيَلَانِ وَحُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحُشَتْ بِحَيْثُ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ.
وَكَذَا الشَّمَطُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلُ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ، وَالْعَشَا أَنْ لَا يُبْصِرَ لَيْلًا، وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ ضِرْسًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَادُهُ وَسَوَادُ الظُّفْرِ، وَالْعُسْرُ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِيَسَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ أَعْسَرُ يَسْرٌ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ زِيَادَةُ حُسْنٍ، وَالْقَشْمُ وَهُوَ يُبُوسَةُ الْجِلْدِ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْغَرَبُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْأَمَاقِي وَرُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَالْحَوَلُ وَالْحَوَصُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَالشَّتَرُ وَهُوَ انْقِلَابُ الْجَفْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الْأَشْتَرُ، وَالظَّفَرُ هُوَ بَيَاضٌ يَبْدُو فِي إنْسَانِ الْعَيْنِ وَجَرَبِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَالشَّعْرُ وَالْقَبَل فِي الْعَيْنِ، وَمِنْهُ قول الشَّاعِرِ يَصِفُ خَيْلًا:
تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالْحِدَإِ الْقَبَلِ

وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالسَّبَلُ، وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ إذَا كَانَ عَنْ دَاءٍ، فَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَا، وَالْعَزْلُ وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ ذَنَبَهُ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمَشَشُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الدَّابَّةِ لَهُ صَلَابَةٌ، وَالْفَدَعُ وَهُوَ اعْوِجَاجٌ فِي مَفَاصِلِ الرِّجْلِ، وَالْفَحَجُ وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالصَّكَكُ وَهُوَ صَكُّ إحْدَى رُكْبَتَيْهِ بِالْأُخْرَى، وَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَهُوَ امْتِلَاءُ لَحْمِ الْفَرْجِ، وَالسِّلْعَةُ وَالْقُرُوحُ وَآثَارُهَا، وَالدَّخَسُ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ بِأَطْرَافِ حَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، وَالْحَنَفُ وَهُوَ مَيْلُ كُلٍّ مِنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلِ إلَى أُخْرَى، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَتَنَاسُلُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالصَّدَفُ، وَهُوَ الْتِوَاءٌ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ.
وَقِيلَ مَيْلٌ فِي الْبَدَنِ، وَالشَّدَقُ سِعَةٌ مُفْرِطَةٌ فِي الْفَمِ، وَالتَّخَنُّثُ قِيلَ إذَا فَحُشَ أَوْ كَانَ يَأْتِي بِأَفْعَالٍ رَدِيئَةٍ، وَالْحُمْقُ، وَكَوْنُهَا مُغَنِّيَةً، وَشُرْبُ الْغُلَامِ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا وَكَثْرَتُهُ فِي الْإِنْسَانِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا الْغُلَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ، وَعَدَمُ الْمَسِيلِ فِي الدَّارِ وَالشُّرْبِ لِلْأَرْضِ، وَكَذَا ارْتِفَاعُهَا بِحَيْثُ لَا تُسْقَى إلَّا بِالسِّكْرِ، وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ لَا يَدْرِي حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ، وَالْعِثَارُ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَكَذَا أَكْلُ الْعِذَارِ وَالْجُمُوحُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ اللِّجَامِ، وَكَذَا الْحَرَنُ عِنْدَ الْعَطْفِ وَالسَّيْرِ وَسَيَلَانُ اللُّعَابِ عَلَى وَجْهٍ يَبِلُّ الْمِخْلَاةَ إذَا عَلَّقَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَثْرَةُ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ تُرَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْتَادًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَيِّزَ التُّرَابَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى خُفًّا أَوْ مُكَعَّبًا لِلُبْسٍ فَلَمْ يَدْخُلْ رِجْلُهُ فِيهِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَلَوْ بَاعَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ قَمِيصًا عَلَى أَنَّ فِيهِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ وَظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِيَ عَيْبٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ)؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا، وَيَعُودُ مَعِيبًا فَامْتَنَعَ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ؛ (لِأَنَّ الرَّدَّ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا) فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِهِ مَعِيبًا تَضَرَّرَ (وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ) الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ) وَمَا كَانَ عَدَمُ إلْزَامِهِ الْمَبِيعَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ أَخْذُهُ إيَّاهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمْلِيكُهَا وَمَنْعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى إهْدَارِهِ، كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الصَّادِرَةَ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ عِصْمَةَ مَالِهِ، كَالْغَاصِبِ إذَا عَمِلَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ الْخِيَاطَةَ أَوْ الصَّبْغَ بِالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يُظَلَّمُ، وَالضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ بِانْفِرَادِهَا، أُجِيبَ بِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ أُصُولًا ضَرُورَةَ جَبْرِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا يُهْدَرُ كَمَا صُيِّرَتْ أُصُولًا بِالْقَصْدِ مِنْ إتْلَافِهِمَا، وَكُلُّ مَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ بِلَا عَيْبٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعَ الْعَيْبِ وَيُنْظَرُ إلَى التَّفَاوُتِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ عُشْرِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ كَذَلِكَ كَأَنْ قَتَلَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي خَطَأً لَمَّا وَصَلَ الْبَدَلُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْبَدَلِ، فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ.
فَرْعٌ:
لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مَا دَامَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الرَّدَّ مَوْهُومٌ فَلَا يُصَارُ خَلَفُهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا عِنْدَ الْإِيَاسِ مِنْ الْأَصْلِ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَالرَّدُّ مَوْهُومٌ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ)؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ (فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِرِضَا الْبَائِعِ فَيَصِيرُ هُوَ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (فَإِنْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ فَامْتَنَعَ أَصْلًا (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ)؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَخِطْهُ (ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ، فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَقْطُوعًا (كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ) أَيْ امْتِنَاعُ رَدِّهِ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ، أَيْ بِرَدِّهِ مَعِيبًا فَزَالَ الْمَانِعُ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ بَعْدَ الْقَطْعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ (لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَمْتَنِعْ) بِالْقَطْعِ (بِرِضَا الْبَائِعِ) فَحِينَ بَاعَهُ مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا (صَارَ حَابِسًا الْمَبِيعَ) بِالْبَيْعِ (فَإِنْ) كَانَ الْمُشْتَرِي (قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ) الْمُتَّصِلَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ (لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ) أَعْنِي الثَّوْبَ بِدُونِهَا كَالصَّبْغِ مَثَلًا وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّمْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَلَا إلَى الْفَسْخِ مَعَهَا (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً) وَالْفَسْخُ لَا يُرَدُّ عَلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مَا كَانَ مِنْ الْبَيْعِ فَيَبْقَى مَا كَانَ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَلَى مَا كَانَ، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الزِّيَادَةِ لَزِمَ الرِّبَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَضْلًا مُسْتَحَقًّا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِلَا مُقَابِلٍ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ (فَامْتَنَعَ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ) وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ (لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ) لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ الرِّبَا، وَرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِالْإِسْقَاطِ.
وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْفَسْخِ (فَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ) لَمَّا امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ حَابِسًا لَهُ عَنْ الْبَائِعِ (وَعَنْ هَذَا) الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا كَانَ مُمْكِنًا فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِهِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَابِسٍ.

متن الهداية:
وَعَنْ هَذَا (قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، وَفِي الثَّانِيَ بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ).
الشَّرْحُ:
(قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ)؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسَلُّمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ، وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ.
(وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا) وَالْبَاقِي بِحَالِهِ (رَجَعَ) بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْخِيَاطَةِ فَكَانَتْ الْخِيَاطَةُ عَلَى مِلْكِهِ وَكَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَاطَةُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ لَا فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ انْتَهَى.
وَهَذَا أَصْلٌ آخَرُ فِي الزِّيَادَةِ اللَّاحِقَةِ بِالْمَبِيعِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبَانِ فَالْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ لِلرِّبَا، وَمِنْ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مَا لَوْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ فَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَابِسٍ لِلْمَبِيعِ بَلْ امْتَنَعَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَفِي كَوْنِ الطَّحْنِ وَالشَّيْءِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ تَأَمُّلٌ.
وَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَمَحَّضَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْهُ مَعَ عَدَمِ انْفِصَالِهَا، فَكَأَنَّ الْفَسْخَ لَمْ يَرِدْ عَلَى زِيَادَةٍ أَصْلًا، وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُ التَّبَعِيَّةُ لِلِانْفِصَالِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ شَاءَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً لَكِنْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ، وَغَيْرُ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيُسَلَّمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ قول أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ الَّذِي فِيهِ قول الْبَائِعِ إنَّهُ اسْتَغَلَّ غُلَامِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ حُكْمَ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ فِي حُكْمِ الْكَسْبِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ عَلَى الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ الْكَسْبِ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَهِيَ غَيْرُ الْأَعْيَانِ، وَلِذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الْحُرِّ مَالًا مَعَ أَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْعَبْدُ الْمَكْسُوبُ لِلْمُكَاتَبِ لَيْسَ مُكَاتَبًا وَالْوَلَدُ تَوَلَّدَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ مَجَّانًا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْأَرْشِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ أَحْمَرَ لِتَكُونَ زِيَادَةً بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نَقْصٌ كَمَا سَتَعْلَمُ فَهُوَ كَالْقَطْعِ، وَانْتِقَاصُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِالِاتِّفَاقِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) أَمَّا الْمَوْتُ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا يَفْعَلُهُ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ إنْهَاءً فَصَارَتْ كَالْمَوْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ.
وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ) الْمُشْتَرِي (أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ أَمَّا الْمَوْتُ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ) وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، فَكَأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ، إذْ امْتِنَاعُ الرَّدِّ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا إذَا كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَمَّا إذَا ثَبَتَ حُكْمًا لِشَيْءٍ فَلَا، وَهُنَا ثَبَتَ حُكْمًا لِلْمَوْتِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْمَبِيعِ حَقًّا لِلشَّرْعِ لِلُزُومِ شُبْهَةِ الرِّبَا، قِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فَيَقول لَا يَفْعَلُهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ زِيَادَةً (وَأَمَّا الْعِتْقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ).
وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ) عَنْ سَبَبِهِ (مُوقِنًا إلَى الْإِعْتَاقِ) فَيَثْبُتُ (أَنَّهُ إنْهَاءٌ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَهَذَا) وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالْمَوْتِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْهَاءٌ (لِأَنَّ الشَّيْءَ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) إلَى آخِرِ مَا قَرَرْنَاهُ، وَقولهُ (وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ لَمْ يُزِيلَا الْمِلْكَ كَمَا يُزِيلُهُ الْإِعْتَاقُ (لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ) مَعَهُمَا (النَّقْلُ) مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَبِذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ.
وَقولهُ (مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ، وَقولهُ (بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ (لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتِقُ عَلَى مَالٍ (يَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (لِأَنَّ الْعِتْقَ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ هُوَ (إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ) أَعْنِي الرِّقَّ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ إنْهَاءً كَانَ كَالْمَوْتِ وَكَوْنُهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ طَرْدٌ، وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ حَابِسًا لَهُ بِحَبْسِ بَدَلِهِ.

متن الهداية:
(فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ)؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةً كَإِعْتَاقِ الْمُعْسِرِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ.
وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْقَتْلَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ) أَيْ لَمْ يَمُتْ عِنْدَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ) مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ (ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَصْحَابِنَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَهُ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ (فَكَانَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ) وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْآخِرَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفَرَّجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ (وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ) عَنْ الْمَوْلَى (بِسَبَبِ الْمِلْكِ) وَكَذَا لَوْ بَاشَرَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَانَ مَضْمُونًا، وَلَمَّا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَوْلَى (صَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْعَبْدِ عِوَضًا) هُوَ سَلَامَةُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَسَلَامَةُ الدِّيَةِ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ خَطَأً فَكَانَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إنْ نَفَذَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، بَلْ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يُوجِبْهُ بِذَاتِهِ فَلَمْ يُسْتَفَدْ: أَيْ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِفَادَتُهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا.
(وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ (وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ (لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ) مِنْ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ حَتَّى انْتَهَى الْمِلْكُ بِهِ (فَكَانَ كَالْإِعْتَاقِ) بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ لَيْسَ مُعْتَادًا غَرَضًا مِنْ الشِّرَاءِ مَقْصُودًا بِهِ (وَلَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ) لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ: أَيْ انْتَفَى الضَّمَانُ لِمِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا (كَالْقَتْلِ) فَلَا يَرْجِعُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا) بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الرُّجُوعِ (أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) وَجَعْلُ الْمُصَنِّفُ قول أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا مَعَ تَأْخِيرِهِ جَوَابَهُ عَنْ دَلِيلِهِمَا يُفِيدُ مُخَالَفَتَهُ فِي كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قولهِمَا.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْقَطْعَ وَالْخِيَاطَةَ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا، أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِيهِمَا لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِفِعْلِهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّهُ امْتَنَعَ لِفِعْلِهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَهَذَا يَتِمُّ فِي الْخِيَاطَةِ لِلزِّيَادَةِ، أَمَّا فِي مُجَرَّدِ الْقَطْعِ فَلَا يَتِمُّ وَلِذَا لَوْ قِبَلَهُ الْبَائِعُ مَقْطُوعًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ مَخِيطًا وَمَصْبُوغًا بِغَيْرِ السَّوَادِ.
قولهُ: (وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ) يَعْنِي لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ (لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) حَتَّى كَانَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ (فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قول زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَعَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَرُدُّ الْبَاقِي، وَرِوَايَةُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى الرَّدِّ كَمَا أَخَذَهُ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ نَقْلُ الْقُدُورِيِّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَوَّلَ قول أَبِي يُوسُفَ قَالَ: يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ قول مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُفْتِي بِقول مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّ مَا بَقِيَ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ فِي الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَفِيمَا لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ قول أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَبِيعُ الْبَعْضَ كَبَيْعِ الْكُلِّ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا بَاعَ، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعِ الْبُخَارِيِّ أَكْلُ بَعْضِهِ يُرْجَعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، وَبِهِ يُفْتِي.
وَلَوْ أَطْعَمَهُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ، وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ كَانَ سَمْنًا ذَائِبًا فَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتِي، وَفِي الْكِفَايَةِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يُسْقِطُ خِيَارَ الْعَيْبِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِهِ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ الثَّمَنُ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ لَمْ يَرُدَّهُ)؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ (وَ) لَكِنَّهُ (يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِهِ.
قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ.
وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْجَوْزُ عَادَةً كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا) أَوْ قَرْعًا أَوْ فَاكِهَةً (فَكَسَرَهُ) غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ، (فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ) كَالْقَرْعِ الْمُرِّ وَالْبِيضِ الْمَذِرِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَسَرَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ) بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ فِيهِ الْحَطَبُ وَهُوَ مِمَّا يُشْتَرَى لِلْوَقُودِ (عَلَى مَا قِيلَ) مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي قِشْرِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَادَفَ مَحَلَّهُ (لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ) قَبْلَ الْكَسْرِ لَيْسَ إلَّا (بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ) وَإِذَا كَانَ اللُّبُّ لَا يَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْبَيْعِ مَوْجُودًا فَيَظْهَرُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ) بِأَنْ يَأْكُلَهُ الْفُقَرَاءُ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ فَيَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَلِذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ فَتَرَكَهُ، فَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَمَا ذَاقَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بَيْضَ نَعَامَةٍ فَوَجَدَهَا مَذِرَةً ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ بَيْضِ النَّعَامَةِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ وَمَا فِيهِ جَمِيعًا، وَقول الْمُصَنِّفِ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ) يَعْنِي إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَطْلَقَهُ، وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ مِقْدَارًا لَا يُعْلَمُ الْعَيْبُ إلَّا بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قوليْهِ انْتَهَى، وَلَيْسَ هَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَنَا وَلَا فِي قول آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ وَجْهُ قول الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَكَأَنَّهُ كَسَرَهُ بِنَفْسِهِ (قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ) الْمَبِيعُ (ثَوْبًا فَقَطَعَهُ) الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ مَعَ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَطْعِهِ بِالْبَيْعِ فَعُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ أَنَّ تَسْلِيطَهُ هَذَا هَدَرٌ، وَأَنَّ التَّسْلِيطَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا لَوْ سَلَّطَهُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ: أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِكَسْرِهِ فَذَاكَ هُوَ التَّسْلِيطُ الْمَانِعُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْكَاسِرِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَتَسْلِيطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكْسِرَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا فِي نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ (وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا) مِنْ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ (لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ) فَكَانَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَلِيلِ إنَّهُ كَالْوَاحِدِ وَالْمَثْنَى، وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ لَا مَا زَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ مَعْفُوًّا قَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْجَوْزِ فَصَارَ كَالْمُشَاهَدِ: يَعْنِي عِنْدَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَشْرَ جَوْزَاتٍ فَوَجَدَ خَمْسَةً خَاوِيَةً اخْتَلَفُوا فِيهِ: قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يُفَصَّلْ، وَقِيلَ الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِي الْبَيْعِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَعْنَى الثَّمَنِ الْمُفَصَّلِ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا عَلَى الْقِيمَةِ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ)؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَالْمَوْجُودُ هَاهُنَا بَيْعَانِ، فَيُفْسَخُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَنْفَسِخُ (وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الَّذِي بَاعَهُ) وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَفِيمَا لَا يَحْدُثُ سَوَاءٌ.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ: إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي) ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (بِـ) سَبَبِ (إقْرَارِهِ) بِالْعَيْبِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَوُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى ذَلِكَ لِإِنْكَارِهِ الْعَيْبَ أَوْ بِسَبَبِ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْبِ (فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) الْأَوَّلِ: يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يَجِبُ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ، هَذَا وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ (فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ) وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يُخَالُ مَانِعًا مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولَ فَرْعُ إنْكَارِهِ الْعَيْبَ فَبِخُصُومَتِهِ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِيهِ يَكُونُ مُنَاقِضًا فَلَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ.
وَلِذَا قَالَ زُفَرُ: إنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَيُنْكِرُ الْإِقْرَارَ فَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَذِبِ الشُّهُودِ وَوَهْمِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ، أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقولهِ (لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ) فَانْعَدَمَ إنْكَارُهُ الْعَيْبَ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ إنْكَارَهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّدْقِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُهُ فَصَارَ ظَاهِرًا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الدِّيَانَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِدْقِهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ فَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُ هَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ وَاقِعٍ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ قولهِ لَا عَيْبَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ: تَكْذِيبُ الشَّرْعِ إيَّاهُ بِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ لَا يَرْفَعُ مُنَاقَضَتَهُ، وَكَوْنَهُ مُؤَاخَذًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِزَعْمِهِ وَهِيَ الدَّافِعَةُ لِخُصُومَتِهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَقولهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مُتَّصِلٌ بِقولهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَيَرُدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ مَا بَاعَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْعَيْبِ، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمًا بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيُحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ، وَهُنَا الْبَيْعُ وَاحِدًا فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْر تَكَلُّفِ زِيَادَةٍ.
وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، فَقَالَ: لَهُ الرَّدُّ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَبِالْإِقْرَارِ هُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَمَّا فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرُدُّهُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَرُدُّهُ الْمَأْمُورُ مَعَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَأْمُورِ لَا يُسْمَعُ عَلَى الْآمِرِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ قَدِيمٌ أَوْ لَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحُجَجِ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَعْلَمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا عَايَنَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا زِيَادَةِ خُصُومَةٍ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ قول مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، فَإِنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عِنْدَهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا، وَبَذْلُ الْإِنْسَانِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَجَبْت بِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ جَارٍ مَجْرَاهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ أَنَّ بَذْلَهُ الْمَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي نَحْوِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حُكْمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ وَيُسْقِطَ الْمَالَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَالشَّيْءُ إذَا أُجْرِيَ مَجْرَى الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُجْرًى مَجْرَاهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ صَرِيحِ الْإِقْرَارِ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا قَالَ فِي الدَّعْوَى مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَالَ: يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَتُرَدُّ الدَّارُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ: لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالنُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقول: لَيْسَ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ، وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا انْتَهَى.
يَعْنِي الْفَسْخَ الَّذِي بِلَا قَضَاءٍ، وَقولهُ (وَإِنْ قَبِلَ) يَعْنِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ (بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي) بَلْ بِرِضَاهُ (لَا يَرُدُّهُ) عَلَى بَائِعِهِ، هَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِالتَّرَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ وَالرِّضَا، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ وَبِالرِّضَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ، وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا الْمَبِيعُ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ.
وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا بَاعَ أَمَتَهُ الْحُبْلَى وَسَلَّمَهَا فَرُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ صَحَّتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهَا الِابْنُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ، وَالثَّالِثَةُ مَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَتْ، أُجِيبَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَعُودُ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى؛ أَلَّا تَرَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى رَجُلٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةٌ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَلَا يُجْعَلُ الْمَوْهُوبُ عَائِدًا إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي حَقِّ زَكَاةِ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ دَارًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ عَادَ الْمَوْهُوبُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ خُرِّجَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الشُّفْعَةُ؛ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّدِّ وَحُكْمُ الرَّدِّ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةٍ كَانَتْ لَهُ زَمَانَ الْعُلُوقِ وَهُوَ مَعْنًى سَابِقٌ عَلَى الرَّدِّ وَقَدْ بَطَلَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِيهَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ وِلَايَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي إبْطَالِهَا؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَسْتَدْعِي عِنْدَنَا دَيْنًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قول الْقَائِلِ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخٌ وَجَعْلُ الْعَقْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ.
فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ لَكِنْ يُقَالُ: الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ، أَمَّا مِنْهَا فَلَا، وَذَلِكَ لِمَسْأَلَةٍ نَقَلَهَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمُنْتَقَى: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَ الدِّينَارَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ بِالدِّينَارِ عَيْبًا وَرَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَذَلِكَ لِمَعْنًى، وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَيْنِ حِينَئِذٍ يَكُونَانِ مَعْدُومَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بَلْ الْمَبِيعُ السَّلِيمُ فَيَكُونُ الْمَعِيبُ مِلْكَ الْبَائِعِ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعَيْنِ فِي غَيْرِ النُّقُودِ كَمَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا مَوْجُودَانِ فِي ذَلِكَ إذَا قَبِلَهُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ.
وَإِذَنْ مَا فِيهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى هَذَا الْقَيْدِ، وَقولهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) إلَى آخِرِهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُ الْقُدُورِيَّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ بِكَوْنِ الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، وَقَيَّدَهَا فِي الْجَامِعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَقَالَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ، فَامْتِنَاعُهُ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْمَرَضِ وَالسُّعَالِ وَالْقُرُوحِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى، قَالَ الْمُصَنِّفِ.
(وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ) أَيْ بُيُوعِ الْأَصْلِ (إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ) يَعْنِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ إذَا رَدَّهُ بِالتَّرَاضِي (لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) وَقَدْ فَعَلَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَا لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِ الْقَاضِي، وَالْمُرَادُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا أَوْ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إلَى رَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، قِيلَ، وَوَجْهُ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ ثَبَتَ بِالتَّرَاضِي فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذَا هُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالسَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الرَّدِّ لِلْعَجْزِ فَإِذَا نَقَلَاهُ إلَى الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّدَّ إذَا امْتَنَعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى غَيْرِهِ فَافْتَرَقَا، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَعْدَ قَبْضِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، وَعَلِمْت أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ.
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبْضِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَكَانَ هَذَا تَصَرُّفُ دَفْعٍ وَامْتِنَاعٍ مِنْ الْقَبْضِ، وَوِلَايَةُ الدَّفْعِ عَامَّةٌ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُوجِبُ الْعَقْدِ وَقَدْ تَنَاهَى إلَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ قَائِمٌ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ، وَلَوْ كَانَ بِالتَّرَاضِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّهِمَا خَاصَّةً، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْفَسْخِ ثَبَتَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ، وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ، وَدَفْعُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً) عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَقَدَّرَ ظَهِيرُ الدِّينِ لِلثَّانِي خَبَرًا هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ انْتَهَى.
وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ آخَرَ مَعَ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ مَعْنَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ بَلْ مَعْنَاهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْحَلِفَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ الْحَلِفِ مِنْهُ الْجَبْرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ، بَلْ إذَا حَلَفَ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكُلَ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ فَعَدَمُ الْجَبْرِ يَثْبُتُ مَعَ إحْدَى صُورَتَيْ التَّحْلِيفِ كَمَا يَثْبُتُ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ فِعْلٌ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْغَايَتَانِ: أَعْنِي الْحَلِفَ وَإِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ يُحَلَّفَ فَيَحْلِفَ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ لَا يُجْبَرُ بِيُنْتَظَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ إذَا طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَادَّعَى هُوَ عَيْبًا.
(لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الثَّمَنِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّهُ بِهِ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ)؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي السَّلِيمِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَا قَبَضَهُ لَيْسَ مُوجِبًا دَفْعَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ (وَ) وُجُوبُ (دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ) حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي (الْمَبِيعِ) وَلَمْ يَتَعَيَّنْ؛ لِأَنَّهُ السَّلِيمُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْجَبْرِ قَائِمٌ وَالْمَانِعَ وَهُوَ قِيَامُ الْعَيْبِ مَوْهُومٌ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقَّقَ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ قِيَامِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّهُ الْبَيْعُ لِلسَّلِيمِ أَوْ هُوَ مَعَ قَبْضِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ فَيُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ النَّقْضِ يَنْبَغِي مَا أَمْكَنَ (فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ) مَثَلًا فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أُحْضِرَهُمْ أَوْ آتِيَك بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ مِنْ قَاضِي الشَّامِ لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ بَلْ (يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ) وَيُقْضَى (بِدَفْعِ الثَّمَنِ إنْ حَلَفَ) وَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الْمَبِيعَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ بِالْبَائِعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ)؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى غَايَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْطَالِ خُصُوصًا بَعْدَ قَبْضِ مَالِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي (لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ) إذْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: شُهُودِي حُضُورٌ فَإِنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَلَى الْبَائِعِ فَيُمْهَلُ، وَلَوْ قَالَ أُحْضِرُ بَيِّنَتِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُجِّلَهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَلَمْ يَتَنَاكَرَا الْعَقْدَ بَلْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى هُنَا دَعْوَى مَالٍ عَلَى تَقْدِيرٍ، فَالْقَضَاءُ هُنَا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى غَايَةِ حُضُورِ الشُّهُودِ بِالْمُسْقِطِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي مِثْلِهِ: أَعْنِي مَا إذَا قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَفَ خَصْمُهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ، فِي أَدَبِ الْقَاضِي تُقْبَلُ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يُحْفَظُ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ، وَفِي جَمْعِ النَّسَفِيِّ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَتَانِ: نَعَمْ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُخَالِفُ مَا فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ إذَا قَالَ بَيِّنَتِي غَائِبَةٌ لَمْ يُحَلَّفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَلَّفُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ فَأَحْلَفَهُ ثُمَّ أَتَى بِهَا لَا يُحَلَّفُ فِي قولهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقولهُ (أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّهُ) يَعْنِي النُّكُولَ (حُجَّةٌ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ؛ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ حُجَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى إبَاقًا لَمْ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) وَالْمُرَادُ التَّحْلِيفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقول وَإِنْ كَانَ قولهُ وَلَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحُجَّةِ (فَإِذَا أَقَامَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ) كَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَالْأَوَّلُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَالثَّانِي يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يُحَلَّفُ عَلَى قولهِمَا.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمَا: إنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ وَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ.
وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى) الْمُشْتَرِي (إبَاقًا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ عِنْدَهُ (لَا يَحْلِفُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعَيْبُ فَتَصِحُّ الْخُصُومَةُ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْقول وَإِنْ كَانَ قولهُ) أَيْ قول الْبَائِعِ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ (إلَّا بَعْدَ) ثُبُوتِ قِيَامِ الْمُدَّعَى مُسَبَّبًا لِلرَّدِّ (وَمَعْرِفَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةُ قِيَامِ الْعَيْبِ (بِالْحُجَّةِ) عِنْدَ إنْكَارِهِ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نَحْوِ الْإِبَاقِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا.
أَمَّا فِي عَيْبٍ لَا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى عَوْدِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَذَا الْجُنُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فَلَا، وَعُرِفَ أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إبَاقًا فَيُنْكِرُ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ، عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَذَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا: فَإِذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ، قَالُوا (وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ) عِنْدَك قَطُّ، كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ حَسَنَةٌ، بَقِيَتْ عِبَارَتَانِ مُحْتَمِلَتَانِ، وَهُمَا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، قَالُوا: لَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، فَإِذَا فُرِضَ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَحَلَفَ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَقَدْ يَكُونُ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَيَتَأَوَّلُهُ الْبَائِعُ فِي يَمِينِهِ: أَيْ يَقْصِدُ تَعَلُّقَ عَدَمِ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا وَهُمَا الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى ظَنِّ أَنْ صِدْقَهُ لُغَةً عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ إلَيْهِ يُوجِبُ بِرَّهُ شَرْعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ تَأَوُّلَهُ كَذَلِكَ لَا يُخَلِّصُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْيَمِينِ بَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ، وَالْأَخْصَرُ مَعَ الْوَفَاءِ بِالْمَقْصُودِ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي قَطُّ.
(وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُحَلَّفُ عَلَى قولهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ) هَلْ يُحَلَّفُ أَوْ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ الْخُصُومَةِ؟ فَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ عِنْدَهُ لَا يُحَلَّفُ، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَخْصِيصُ قولهِمَا بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قول أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ قولهِمَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ، فَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ لَكِنَّ الْحَلِفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُدَّعِيًا الْعِلْمَ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا فَلَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُودَعِ لَهَا يَكُونُ الْقول لَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ.
وَقِيلَ لَيْسَ حَاصِلُهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بَلْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ سَلِيمًا، وَهُوَ قول الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَإِنَّ مَعْنَى تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ بَلْ بِمَعْنَى سَلَامَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ السَّرِقَةَ عِنْدِي فَيَرْجِعُ إلَى الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ.
وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مِنْ آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ الْآخَرُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْجَزْمِ، وَفِي نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِالْعِلْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْعِلْمَ بِانْتِفَاءِ الْعَيْبِ، الثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَبْدًا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ الْحَاضِرُ عَلَى الْجَزْمِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ مَعَ ادِّعَائِهِ عِلْمًا بِذَلِكَ كَمَا قُلْنَا انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُشْكِلَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ: أَعْنِي الْعَيْبَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ هُوَ الْمُشْكِلُ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ عِلْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفَيْنِ أَوْ جَهْلُهُ كَانَ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً فَيَحْلِفُ هَذَا الْوَارِثُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي مُدَّتِهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ شَرِيكِهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ شَرِيكِي، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُهُمَا ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَةُ الْعَبْدِ إلَّا عِنْدَ هَذَا الشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ الَّذِي مَاتَ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ، وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، وَالْعَقْدُ أَوْجَبَ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ السَّلِيمَ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِتَكَرُّرِهِ، وَجْهُ قولهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِلَافِ وَهُوَ (مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ) وَإِذَا نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (يَحْلِفُ ثَانِيًا لَزَادَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ)؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ أُنْزِلَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ فَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
وَقولهُ الْحَلِفُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ تَرَتُّبُهَا عَلَيْهَا بَلْ تَكُونُ بِلَا دَعْوَى أَصْلًا فِي الْحُدُودِ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ وَارِثٌ وَلَا دَعْوَى أَصْلًا فَفِي دَعْوَى غَيْرِ صَحِيحَةٍ أَوْلَى، وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّ.
التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِثْبَاتِهَا، وَهُنَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ أُخْرَى، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَبِهَا تَنْتَهِي خُصُومَةٌ لَا تَنْدَفِعُ، وَكَثِيرًا مَا يَتَرَتَّبُ خُصُومَاتٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ يَكُونُ مُنْتَهَى بَعْضِهَا مَبْدَأَ أُخْرَى، وَأَمَّا قولهُ فِي الْوَجْهِ الْحَلِفُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَنَقول: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَوَابَ فَهَذِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ جَوَابَهُ عَنْهُ: أَلَا تَرَى إلَى قولهِمْ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ إلَى آخِرِهِ أَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْعُ إلْزَامِهِ بِالْجَوَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَهُ حَتَّى تَثْبُتَ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهُوَ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ إنْ لَمْ يُثْبِتْ عَوْدَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَتُهُ إلَّا بَعْدَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَكْفِي لِلرَّدِّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَوْنِهَا وَلَدَ زِنًا حَلَفَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي جَوَابًا بِمَا يَلِيقُ بِالْحَالِ وَإِنَّ تَكْلِيفَ الْفَرْقِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ تَتَّجِهُ قَبْلَ إثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَهُنَا لَا تَتَّجِهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْعَيْبِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هَذِهِ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الْمَبِيعِ وَتِلْكَ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الدَّيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ هُنَا بِإِنْكَارِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا رَأْسًا كَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِإِنْكَارِ الدَّيْنِ رَأْسًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الْعَيْبِ فِي الْوُجُودِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ كَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوُجُودِ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ طَالَبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ، فَإِذَا تَأَمَّلْت لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَالْوَجْهُ مَا قَالَا مِنْ إلْزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَكَوْنُهُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ إلَّا بَعْدَ يَمِينٍ أُخْرَى عَلَى وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) يَعْنِي نَفْسَهُ.

متن الهداية:
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
الشَّرْحُ:
(إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ) الْعَبْدِ (الْكَبِيرِ يَحْلِفُ) الْبَائِعُ (مَا أَبَقَ) عِنْدِي (مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ)؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُدَّعَى وَيُخْتَلَفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا قَبْلَ الْبُلُوغَ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ الْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كُلُّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا، وَبَقِيَ أَصْنَافٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ هِيَ مَعَ.
مَا ذَكَرْنَا تَتِمَّةُ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا ظَاهِرًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَصْلًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْعَمَى وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ: أَيْ الزَّائِدَةِ.
فَالْقَاضِي فِيهِمَا يَقْضِي بِالرَّدِّ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ رِضَاهُ بِهِ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ، فَإِذَا ادَّعَاهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ يُسْتَحْلَفُ مَا عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ مَا رَضِيَ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّهُ، وَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ عَيْبًا بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ عِنْدَهُمَا رَدَّهُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ إلَّا إنْ ادَّعَى الرِّضَا فَيَعْمَلُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُرِيهِ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، فَإِذَا قَالَ بِهِ ذَلِكَ يُخَاصِمُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَدَعْوَى الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْعَفَلِ وَالثِّيَابَةِ وَقَدْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ، فَعَلَى هَذَا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ أُرِيَتْ النِّسَاءَ وَالْمَرْأَةُ الْعَدْلُ كَافِيَةٌ، فَإِذَا قَالَتْ: ثَيِّبًا أَوْ قَرْنَاءَ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقولهَا عِنْدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُهُ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَرَنَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ تُرَدُّ عِنْدَ قول الْمَرْأَتَيْنِ هِيَ قَرْنَاءُ بِلَا خُصُومَةٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رِضَاهُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ: الْعَيْبُ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ وَاخْتُلِفَ فِي حُدُوثِهِ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَالْقول لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْخِيَارَ، وَهَذَا يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا خُنْثَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا النِّسَاءُ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَتَبِيعَهُ قَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَ رُدَّهُ عَلَيَّ فَعَرَضَهُ فَلَمْ يُشْتَرَ سَقَطَ الرَّدُّ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زُيُوفًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَنْفِقْهُ، فَإِنْ لَمْ يَرُجْ رُدَّهُ عَلَيَّ فَأَنْفَقَ فَلَمْ يَرُجْ رَدَّهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَقَالَ هُوَ قَصِيرٌ فَقَالَ الْبَائِعُ أَرِهِ الْخَيَّاطَ.
فَإِنْ قَطَعَهُ وَإِلَّا رُدَّهُ فَفَعَلَ فَإِذَا هُوَ قَصِيرٌ فَلَهُ الرَّدُّ، اشْتَرَى لِمَيِّتٍ كَفَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ حَتَّى يَحْدُثَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَخَاصَمَ بَائِعَهُ فِيهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخُصُومَةَ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ بَائِعُهُ: لِمَ سَكَتَّ عَنْ الْخُصُومَةِ مُدَّةً؟ فَقَالَ: لِأَنْظُرَ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ لَا فَلَهُ رَدُّهُ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا فَالْقول قول الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ الْقول لِلْقَابِضِ كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً) أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ (وَتَقَابَضَا) فَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَالْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ (فَوَجَدَ بِهَا) الْمُشْتَرِي (عَيْبًا) فَجَاءَ لِيَرُدَّهُ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِمَا وَجَبَ الرَّدُّ إلَّا أَنَّهُ (قَالَ بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا) وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى رَدِّ حِصَّةِ هَذِهِ فَقَطْ لَا كُلِّ الثَّمَنِ (وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا) فَارْدُدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدٍ (فَالْقول قول الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ، وَالْقول) فِيهِ (قول الْقَابِضِ) أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةً يَدَّعِيهَا عَلَيْهِ الْبَائِعُ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي الْمَرْدُودِ بِالرَّدِّ، وَذَلِكَ سَقْطٌ لِلثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ بَعْضَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ سَبَبُ السُّقُوطِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَالْقول قولهُ، وَصَارَ (كَالْغَصْبِ) إذَا ادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّهُ غَصَبَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ أَوْ حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ فَالْقول قولهُ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ جَارِيَتَانِ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ: قَبَضْتَهُمَا وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ حِصَّةَ هَذِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْ مِنْ الْمَبِيعِ سِوَى هَذِهِ يَكُونُ الْقول قول الْمُشْتَرِي (لِمَا) بَيَّنَّا (مِنْ أَنَّ الْقول قول الْقَابِضِ).

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَدْعُهُمَا)؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا فَيَكُونُ تَفْرِيقُهَا قَبْلَ التَّمَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَصَارَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ (وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ) بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ.
هُوَ يَقول: فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لَا تَتِمُّ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ (أَوْ ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ (عَيْبًا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ) إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا)؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يُوجَدْ (فَيَكُونُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ) تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ رَدِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَتَفْرِيقِهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْتُ فِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ كَمَا يُثْبِتُ الْعَقْدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْنِي الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَثْبَتَهُ الْعَقْدُ، حَتَّى أَنَّ الشُّهُودَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِتَمْكِينِهَا ابْنَ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ، فَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ أَكَّدُوا لُزُومَهُ وَحَقَّقُوهُ وَمَا قُبِلَ فِي تَمَامِهِ، وَحُكْمُ الْمُشَبَّهِ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِلنَّارِ وَعَلَى النَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَلَوْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ كَانَ مَكْرُوهًا لَيْسَ تَمْثِيلًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّابِتَ الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لَوْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ.
هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ (فَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي الْمَقْبُوضِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً)؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَامَّةٌ فِي الْمَقْبُوضِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ) فَمَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ لَا تَتِمُّ فَيَكُونُ تَفْرِيقًا قَبْلَ التَّمَامِ (وَصَارَ تَمَامُ الصَّفْقَةِ كَحَبْسِ الْبَيْعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ) الْحَبْسُ (دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ دِرْهَمٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أُمْسِكُ الْمَعِيبَ وَآخُذُ النُّقْصَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (فَـ) أَمَّا (لَوْ) كَانَ (قَبَضَهُمَا) أَعْنِي الْعَبْدَيْنِ (ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا) فَإِنَّ لَهُ أَنْ (يَرُدَّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ، هُوَ يَقول: فِيهِ) أَيْ فِي رَدِّهِ وَحْدَهُ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ) لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ، وَفِي إلْزَامِهِ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ إلْزَامُ هَذَا الضَّرَرِ فَاسْتَوَى مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا وَمَا بَعْدَهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ رَدِّهِ وَحْدَهُ (وَأَشْبَهَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ) فِي أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ إذَا كَانَ فِيهَا أَحَدُ الْخِيَارَيْنِ هَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا؛ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّهُمَا، وَقَالَ زُفَرُ: يَرُدُّ الْمَعِيبَ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ فِيهِمَا وَالْعَيْبُ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ وَالْمَنْظُومَةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ زُفَرَ (وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ يَتِمُّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ شَرْعًا.
بِدَلِيلِ أَنَّهُ (لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا) بَعْدَ الْقَبْضِ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ) بَلْ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ الَّذِي لَزِمَ الْبَائِعَ جَاءَ مِنْ تَدْلِيسِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ عَالِمٌ بِحَالِ الْمَبِيعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْعَبْدَيْنِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ كَنَعْلَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى، وَفِي الْإِيضَاحِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ دُونَهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ) وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ.
وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ دُونَ الْآخَرِ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ)؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ) كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ (أَوْ يُوزَنُ) كَالسَّمْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ، وَمُرَادُهُ) إذَا كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْعَيْبِ (بَعْدَ الْقَبْضِ) أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الْكُلَّ أَوْ يَحْبِسُ الْكُلَّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَرُدُّ الْكُلَّ (لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) كَالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ (فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ وَالتَّقَوُّمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِآحَادِ حَبَّاتِ الْقَمْحِ مُنْفَرِدَةً بَلْ مُجْتَمِعَةً فَكَانَتْ الْآحَادُ الْمُتَعَدِّدَةُ مِنْهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ ثَوْبٌ أَوْ بِسَاطٌ وَنَحْوُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَمَّى) الْمُتَعَدِّدُ مِنْهُ الْمُجْتَمِعُ (بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَالْكُرِّ) وَالْوَسْقِ وَالصُّبْرَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الثَّوْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ حَقِيقَةً وَتَقَوُّمًا وَانْتِفَاعًا لَا يُوجِبُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَيْبًا حَادِثًا فِيهِ (قِيلَ هَذَا) يَعْنِي كَوْنَهُ يَرُدُّ الْكُلَّ (إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ) أَمَّا (لَوْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ) كَمَا إذَا اشْتَرَى عِدْلَيْ حِنْطَةٍ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ الْعِدْلَ خَاصَّةً.
كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ: لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِهِ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ فِي الْمَعِيبِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْجَيِّدِ يَكُونُ أَخَفَّ عَيْبًا مِمَّا إذَا انْفَرَدَ، فَلَوْ رُدَّ كَانَ مَعَ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا التَّأْوِيلُ يَصِحُّ عَلَى قول مُحَمَّدٍ خَاصَّةً.
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى أَعْدَالًا مِنْ تَمْرٍ فَوَجَدَ بِعِدْلٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ كُلُّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ رِوَايَةَ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: لَوْ اشْتَرَى زِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ أَوْ سَلَّتَيْنِ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ حِمْلَيْنِ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الشَّعِيرِ وَقَبَضَ الْجَمِيعَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَالْآخَرُ سَوَاءً، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ كُلَّهُ، فَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ جَعَلَ التَّمْرَ أَجْنَاسًا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ جِنْسُ التَّمْرِ، فَعَلَى هَذَا يَتَقَيَّدُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ صَعِيدِيَّةً وَبَحْرِيَّةً، وَهُمَا جِنْسَانِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الثَّمَنِ وَالْعَجِينِ، وَيَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي الْأَعْدَالِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِي الْأَعْدَالِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا هُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ جِنْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَعْدَالِ بَرْنِيًّا وَبَعْضُهَا لِبَانَةً فَيَرُدُّ ذَلِكَ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَانَ الْأَعْدَالُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بَرْنِيًّا أَوْ صَيْحَانِيًّا أَوْ لِبَانَةً أَوْ عِرَاقِيَّةً فَيَرُدُّ الْكُلَّ وَالصُّبْرَةُ كَالْعِدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِجَرَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ مَنْعِ رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ فِيهَا.
قولهُ: (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ مَا بَقِيَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ رَدُّهُ دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) لَا فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ، أَمَّا فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ الْقَمْحِ يُبَاعُ عَلَى وِزَانِ مَا يُبَاعُ بِهِ الْإِرْدَبُّ وَالْغِرَارَةُ، وَأَمَّا فِي الْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُفْصَلُ يَصِيرُ مَعِيبًا بِتَبْعِيضِهِ فَإِنَّ الْفَضْلَةَ مِنْ الثَّوْبِ كَالذِّرَاعِ إذَا نُودِيَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مُتَّصِلًا بِبَاقِي الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْصَلُ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ لَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ شَاءَا اقْتَسَمَاهُ فِي الْحَالِ وَانْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ كَمَا يَجِبُ وَمُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ خَفِيفَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِكَيْلِ عَبْدِهِمَا وَغُلَامِهِمَا (وَقولهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ التَّمَامِ لَا بَعْدَهُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ هَذِهِ الصَّفْقَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْقَبْضُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِحْقَاقُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ (لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ) وَقَدْ تَحَقَّقَ (لَا بِرِضَا الْمَالِكِ) يَعْنِي الْمُسْتَحِقَّ، وَلِذَا قُلْنَا: إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي تَمَامَ رِضَا الْعَاقِدِ لَا الْمَالِكِ، وَقولهُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ خِيَارَ الرَّدِّ (إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) عَلَيْهِ (قَبْلَ التَّمَامِ)؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ (وَلَوْ كَانَ) الْمُسْتَحَقُّ (ثَوْبًا) وَنَحْوَهُ كَعَبْدٍ وَكِتَابٍ (فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ) وَالشَّرِكَةُ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْكُلِّ أَوْ بَقَائِهِ شَرِيكًا، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ رَدِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَجَابَ بِقولهِ (وَقَدْ كَانَ) إلَى آخِرِهِ: أَيْ هَذَا الْعَيْبُ: أَعْنِي عَيْبَ الشَّرِكَةِ كَانَ ثَابِتًا (وَقْتَ الْبَيْعِ) وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ ظُهُورُهُ، وَالظُّهُورُ فَرْعُ سَابِقَةِ الثُّبُوتِ فَلَمْ يَحْدُثْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ ظَهَرَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، بِخِلَافِ تَمْيِيزِ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ صُبْرَةً فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا رَدُّ الْكُلِّ.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا فَدَاوَاهُ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةٍ فَهُوَ رِضًا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ الِاسْتِبْقَاءَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَاكَ لِلِاخْتِبَارِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ الرُّكُوبُ مُسْقِطًا (وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا) أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ؛ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَاشْتِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ، إمَّا لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِعَجْزِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لِانْعِدَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ رِضًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا) وَنَحْوَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَرَضٍ فَدَاوَاهَا (أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (حَاجَتِهِ فَهُوَ رِضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِ الِاسْتِبْقَاءِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ) إذَا رَكِبَ فِيهِ مَرَّةً لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ مَرَّةً لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) الْخِيَارَ (لِلِاخْتِبَارِ وَهُوَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ رُكُوبُهُ) لِحَاجَتِهِ مَرَّةً أَوْ الِاسْتِخْدَامِ مَرَّةً (مُسْقِطًا).
لَهُ فَصَارَ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ مِنْ الْمُشْتَرِي يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ، فَمِنْ ذَلِكَ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ لِحَاجَتِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالدَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَلَوْ مَرَّةً بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِاخْتِيَارِ الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ الْخِيَارُ فَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى دَلِيلَ الرِّضَا، أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَشَرْعِيَّتُهُ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ الْمُشْتَرِي إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ وُصُولِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ إلَيْهِ، فَبِالْمَرَّةِ الْأُولَى فِيهِ لَا يَصْرِفُهَا عَنْ كَوْنِهَا دَلِيلَ الرِّضَا صَارِفٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ فَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرَّدِّ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ وَالتَّقْيِيدُ بِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ.
(لَوْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا) وَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ فَإِنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا احْتَاجَ إلَى سَوْقِهَا فَرُبَّمَا لَا تَنْقَادُ أَوْ تُتْلِفُ مَالًا فِي الطَّرِيقِ لِلنَّاسِ وَلَا يَحْفَظُهَا عَنْ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ (وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى حَاجَتِهِ) إلَى ذَلِكَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ صَعْبَةً، فَفِي قَوْدِهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَلَفَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ (أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ) فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا، وَتَقْيِيدُهُ بِعِدْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدْلَيْنِ فَرَكِبَهَا يَكُونُ الرُّكُوبُ رِضًا، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي رُكُوبِهَا لِلسَّقْيِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ مَعَهَا تَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ: رَكِبْتَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِكَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَالْقول قول الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتهَا لِلسَّقْيِ بِلَا حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَادُ وَهِيَ ذَلُولٌ يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ قول الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلرُّكُوبِ بِلَا إبْطَالِ حَقِّ الرَّدِّ خَوْفُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لَا حَقِيقَةَ الْجُمُوحِ وَالصُّعُوبَةِ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَخَيُّلِ أَسْبَابِ الْخَوْفِ، فَرُبَّ رَجُلٌ لَا يَخْطُرُ بِخَاطِرِهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَآخَرُ بِخِلَافِهِ، نَعَمْ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَلَفًا لِغَيْرِهَا كَانَ رِضًا رَكِبَهَا أَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا.
فَرْعٌ:
وَجَدَ بِالدَّابَّةِ عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حِمْلِهِ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَا: يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا.
لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ.
وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعَةٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ) عِنْدَ الْبَائِعِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا وَقَعَ فِي الْمُطَارَحَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِهِ السَّرِقَةَ لَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ (فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) عَلَى بَائِعِهِ (وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ) كُلَّهُ مِنْهُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَفَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْيَدُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلَمَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ كَانَ قول مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ كُلَّهُ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ رَدَّ الْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ وَقول مَنْ قَالَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ إمْسَاكَهُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ للإسبيجابي: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الصُّورَةِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَبْدِ الْأَقْطَعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَرُدُّهُ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوِّمَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَعَبْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَيَرْجِعُ بِإِزَاءِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى مَا فِي نَقْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ، وَمَا فِي نَقْلِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِيمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَرِقَةٍ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصْفِ الثَّمَنِ مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْإِلْبَاسِ، وَأَقْرَبُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْهُ لَوْلَا مَا ظَهَرَ مِنْ الْجَوَابِ الْمُفَصَّلِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَا.
وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَخَفُّ فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَنَّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا إلَّا إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ الْآخَرِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ إذَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيُمْسِكُهُ (وَقولهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ) مِنْ قَتْلٍ عَمْدًا أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَعْنِي قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَتْمًا، وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ حَلَالُ الدَّمِ وَحَرَامُهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ: أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْعَبْدِ (بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ نِصْفُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ فَكَذَا هُنَا (وَعِنْدَهُمَا) ذَلِكَ (بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ).
وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ (لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ) وَثُبُوتُ سَبَبِ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَلِذَا صَحَّ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ، وَلَوْ مَاتَ كَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ يَأْبَى شِرَاءَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ عَبْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ.
فَعُرِفَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِآدَمِيَّتِهِ لَا بِمَالِيَّتِهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِعْلٌ أَنْشَأَهُ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ فِي النَّفْسِ بَعْدَمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ لَا يُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْمَبِيعِ وَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ عَيْبًا حَادِثًا فِي يَدِهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا) لَا يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ (فَمَاتَتْ) عِنْدَهُ (بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ) وَلَفْظَةُ إلَى فِي قولهِ إلَى غَيْرِ حَامِلٍ لَيْسَ لَهَا مَوْقِعٌ (وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ) وُجِدَ (فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى سَبَبِ) الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ سَرِقَتُهُ الْكَائِنَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَقَتْلُهُ فَصَارَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَيْهِ وَقَطْعُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ قُطِعَ أَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْبَائِعِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّبَبُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى مَالِكِهِ بَعْدَمَا جَنَى عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَالِكِ بِهَا أَوْ قُطِعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ أَوْ نِصْفِهَا، كَمَا لَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِجَامِعِ اسْتِنَادِ الْوُجُودِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ الْكَائِنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَصَارَ سَبَبُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ إلَّا بِحَقِيقَتِهِ فِعْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَبْلَهُ لَا يَتِمُّ فِي حَقِّ ذَلِكَ فَتَبْقَى الْمَالِيَّةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ، فَأَمَّا إذَا قُتِلَ فَقَدْ تَمَّ حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاقُ.
وَبَطَلَتْ الْمَالِيَّةُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي نَقْضِ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ) مَوْتِ الْحَامِلِ (مَمْنُوعَةٌ) عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى قولهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْخِلَافُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رُدَّتْ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا فَنَقول: الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْعُلُوقُ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا الْهَلَاكَ وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا بَلْ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ فَلَيْسَ هُنَا وُجُوبٌ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الزَّانِي مِنْ الْجَلْدِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَهُنَا الْحَبَلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ مُسْتَحَقًّا عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يُنْتَقَضُ، وَنُوقِضَ بِمَسَائِلَ: الْأُولَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَحْمُومَةً فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ بِالْحُمَّى لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ بَلْ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ مَوْتَهَا بِسَبَبِ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَثَانِيهَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرَهُ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا بِالثَّمَنِ.
وَثَالِثُهَا مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَرَابِعُهَا لَوْ زَنَى الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ.
وَخَامِسُهَا لَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَسَرَى الْقَطْعُ فَمَاتَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّهِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَمُوتُ بِمُجَرَّدِ الْحُمَّى بَلْ بِزِيَادَةِ الْأَلَمِ وَذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى قَطْعِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ قَطَعَ سِرَايَةَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَقُّ الْبَائِعِ فَتَنْقَطِعُ بِبَيْعِ مَنْ لَهُ السِّرَايَةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ السِّرَايَةُ لِغَيْرِ مَنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ انْقِطَاعُ السِّرَايَةِ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْبَكَارَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَكَارَةِ فَعَدَمُهَا مِنْ بَابِ عَدَمِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ لَا مِنْ بَابِ وُجُودِ الْعَيْبِ، وَعَنْ الرَّابِعَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فِي الْمَحَلِّ، وَمَوْتُهُ بِذَلِكَ الضَّرْبِ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ عَرَضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ خَرَقُ الْجَلَّادِ أَوْ ضَعْفِ الْمَجْلُودِ فَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُسْتَوْفَاةً حَدًّا مُسْتَحَقًّا، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهَا مِنْ الْمَبْسُوطِ.

متن الهداية:
وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَبِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَفِي إحْدَاهُمَا رُجُوعٌ فَيَتَنَصَّفُ؛ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَقولهُ (فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي) يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قولهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا) أَيْ بِالسَّرِقَتَيْنِ جَمِيعًا (فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ نُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ.
الْبَائِعِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رَحِمَهُ اللَّهُ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْقَطْعُ بِهِمَا كَقولهِمَا، وَلَكِنْ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ رَدَّهُ وَرَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِرُبْعِ الثَّمَنِ (لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ) فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالسَّرِقَتَيْنِ الْكَائِنَتَيْنِ عِنْدَهُمَا فَيَتَوَزَّعُ نِصْفُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ الْمُشْتَرِيَ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي إنْ رَدَّهُ بِأَنْ رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ، وَبِرُبْعِهِ إنْ أَمْسَكَهُ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ النِّصْفِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَبِلَهُ أَقْطَعَ مَعِيبًا لَا مَعَ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ النُّقْصَانِ بِالسَّبَبِ الْكَائِنِ عِنْدَهُ بَلْ يَتَوَزَّعُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِمَا، كَمَا فِي الْغَاصِبِ لِلْعَبْدِ إذَا سَرَقَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَسَرَقَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَقُطِعَ بِالسَّرِقَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ.
قولهُ: (وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) بَعْدَ أَنْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بَعْدَهُ (ثُمَّ قُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ) بِتِلْكَ السَّرِقَةِ (رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) بِالثَّمَنِ (كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اخْتَارَ الرَّدَّ؛ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ أَوْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَرْجِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ (وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ) الَّذِي قُطِعَ فِي يَدِهِ (عَلَى بَائِعِهِ) بِالنُّقْصَانِ (وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ) أَمَّا رُجُوعُ الْأَخِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبِعْهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَعَلِمْت أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِلْمَعِيبِ حَبْسٌ لِلْمَبِيعِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقولهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) أَيْ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ (يُفِيدُ عَلَى قولهِمَا)؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ (وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ) عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ (مُسْقِطٌ لِلرَّدِّ وَالْأَرْشِ) وَأَمَّا عِنْدَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ كَقولهِمَا فَلَا يَرْجِعُ إذَا عَلِمَ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ عَلِمَ بِسَرِقَتِهِ أَوْ إبَاحَةِ دَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْعَيْبِ مِنْ وَجْهٍ، فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ، وَكَوْنُهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا.

متن الهداية:
(قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ بِعَدَدِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ.
هُوَ يَقول: إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ.
وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قول أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قول زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ) لَيْسَ الْعَبْدُ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ الْبَيْعَ.
بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحِيحٌ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ بِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْبَيْعِ مَعْلُومٍ لَهُ أَوْ غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْحَادِثِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ فِي الْبَرَاءَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قول كَقولنَا، وَقول إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا، وَثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ يَبْرَأُ الْبَائِعُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَوَجَدَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ابْنُ عُمَرَ فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: أَتَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ»، وَالْفَرْقُ أَنَّ كِتْمَانَ الْمَعْلُومِ تَلْبِيسٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ مَا، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا مُطْلَقًا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِهِ، قَالَ: وَهَذَا (بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ) فَنَصَبَ الْخِلَافَ فِي الْمَبْنِيِّ فَقَالَ: (هُوَ يَقول فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مَدْيُونَهُ فَرَدَّهُ الْمَدْيُونُ لَمْ يَبْرَأْ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ (وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ)؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَشَرْطِ عَدَمِ الْمَلِكِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ حَقٍّ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ طَلَّقَ نِسْوَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ وَلَمْ يَدْرِ كَمْ هُمْ وَلَا أَعْيَانَهُمْ، كَأَنْ وَرِثَ عَبِيدًا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ صَغِيرًا فَبَلَغَ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ كَأَنْ يَقول: أَسْقَطْتُ عَنْك دَيْنِي عَلَيْكَ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يُبْطِلُهُ جَهَالَةُ السَّاقِطِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ (لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ) فَأَظْهَرْنَا أَثَرَهُ فِي صِحَّةِ رَدِّهِ وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ وَوُجِدَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ تَصَرُّفُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمُمَلَّكِ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَا تَتَرَتَّبُ فَائِدَةُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَإِنَّ السَّاقِطَ يَتَلَاشَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِتَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ لَيْسَ الْجَهَالَةُ بَلْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لِلْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ مَا يُسَلِّمُهُ لِلتَّفَاوُتِ.
وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي قولهِ أَبْرَأْتُ أَحَدَكُمَا فَلِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قولهُ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَصَحَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُ بِالتَّعْيِينِ، عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَهُ وَأَلْزَمَهُ بِالتَّعْيِينِ كَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَكَذَا الْعَتَاقُ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِهِ لَمْ يَبْطُلْ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي خُزَيْمَةَ، وَذَلِكَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَوَّلًا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلَى بَعْدَمَا اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَدَفَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَلِيٍّ مَالًا فَوَدَاهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةِ الْكَلْبِ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ وَلَا يَعْلَمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُرَّ بِهِ» وَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ، وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» وَفِيهِ إجْمَاعٌ عَمَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي كَافَّةِ الْأَعْصَارِ اسْتَحَلَّ مِنْ مُعَامِلِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ مَا ذَكَرْنَا، وَالْغُرُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إيهَامُ خِلَافِ الثَّابِتِ، وَمِنْهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ حُرَّةً وَحِينَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَدْ نَبَّهَهُ عَلَى إبْهَامِ الْعُيُوبِ وَبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِهَا فَلَمْ يَغُرَّهُ، وَقولهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ، قُلْنَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَكَوْنُ السَّلَامَةِ مُقْتَضَاهُ إنْ أَرَدْت الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ سَلَّمْنَاهُ، أَوْ الْمُقَيَّدَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ إنْ كَانَتْ مَنَعْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ.
لَا يَصِحَّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُسَمَّاةِ إنْ ظَهَرَتْ وَجَوَازُهُ اتِّفَاقًا، وَقولهُ (وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ) يَعْنِيَ الْبَرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِقولهِ (فِي قول أَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قول أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قول زُفَرَ) وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ) فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ) الْمُلَاحَظَ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ (الْغَرَضَ) مِنْ هَذَا الشَّرْطِ (إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ) لِيَلْزَمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِحَالٍ (وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ) يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ، وَالْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَلِكَ، فَاقْتَضَى الْغَرَضُ الْمَعْلُومُ دُخُولَهُ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ إدْخَالُ الْحَادِثِ بِلَا تَنْصِيصٍ وَهُوَ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ، أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ، وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ تَبَعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقول قول الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ حَادِثٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ ظَاهِرٌ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَاطِنٌ، فَإِذَا ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقول لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ فَالْقول فِي بَيَانِ مَا أَسْقَطَ قولهُ.
فُرُوعٌ:
جَمَعَهَا فِي الدِّرَايَةِ: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ أَوْ خَصَّ ضَرْبًا مِنْ الْعُيُوبِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، وَلَوْ شَرَطَهُمَا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَشَجَّةٍ فَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ أَوْ مَوْتٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ كَشَجَّةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ نَفْعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ لِلْبَائِعِ فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِي تَعْيِينِ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشَّجَّةَ الْمُتَبَرَّأَ مِنْهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَجَّةٍ بِهِ أَوْ عَيْبٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْفُجُورُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أُبْرِئَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ذَلِكَ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قَطْعُ الْأُصْبُعِ عَيْبٌ.
وَالْأُصْبُعَيْنِ عَيْبَانِ وَالْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ عَيْبٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَبِلَ فِي الثَّوْبِ بِعُيُوبِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْخُرُوقِ وَتَدْخُلُ الرُّقَعُ وَالرَّفْوُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ سَوْدَاءَ تَدْخُلُ الْحَمْرَاءُ وَالْخَضْرَاءُ، وَمِنْ كُلِّ قُرْحٍ تَدْخُلُ الْقُرُوحُ الدَّامِيَةُ، وَفِي الْمُحِيطِ: أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ عَدِمَهَا لَا عَيْبٌ بِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٌ إلَّا إبَاقَهُ بَرِئَ مِنْ إبَاقِهِ، وَلَوْ قَالَ الْإِبَاقُ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قِبَلَك دَخَلَ الْعَيْبُ هُوَ الْمُخْتَارُ دُونَ الدَّرَكِ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْعُيُوبِ، حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَحُطَّ دِينَارًا جَازَ.
وَلَوْ دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا وَزَوَالُ الْعَيْبِ يُبْطِلُ الصُّلْحَ فَيَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ مَا بَذَلَ أَوْ حَطَّ إذَا زَالَ، وَلَوْ زَالَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرُدُّهُ، وَلَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا؛ وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك الْعُيُوبَ لَمْ يَجُزْ، وَحَذْفُ الْحُرُوفِ أَوْ نَقْصُهَا أَوْ النُّقَطُ أَوْ الْإِعْرَابُ فِي الْمُصْحَفِ عَيْبٌ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحُطَّ كُلَّ عَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ وَرَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ جَازَ وَجَازَ حَطُّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ؛ وَلَوْ قَصَّرَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مُتَخَرِّقٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِيَ تَخَرَّقَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْبَائِعُ دِرْهَمًا جَازَ، وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ وَيَدْفَعَ لَهُ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَيَتْرُكَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا قِيلَ هَذَا غَلَطٌ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى: أَدْخَلَ الْمُشْتَرِي الْقَدُومَ فِي النَّارِ أَوْ حَدَّ الْمِنْشَارَ أَوْ حَلَبَ الشَّاةَ أَوْ الْبَقَرَةَ لَمْ يُرَدَّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَفِي الْمُصَرَّاةِ يَرُدُّ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَزُفَرَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَالْمُصَرَّاةُ شَاةٌ وَنَحْوُهَا سُدَّ ضَرْعُهَا لِيَجْتَمِعَ لَبَنُهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَإِذَا حَلَبَهَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عِنْدَنَا، وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؟ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لَا، وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَرْجِعُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بَعْدَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ، وَقِيلَ لَوْ اُخْتِيرَتْ هَذِهِ لِلْفَتْوَى كَانَ حَسَنًا لِغُرُورِ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ، وَلَوْ اغْتَرَّ بِقول الْبَائِعِ هِيَ حَلُوبٌ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ وَقَفَ الْأَرْضَ أَوْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، وَلَوْ اشْتَرَى ضَيْعَةً مَعَ غَلَّاتِهَا فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً رَدَّهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَمَعَ غَلَّاتِهَا فَهُوَ رِضًا، وَإِنْ تَرَكَهَا يَزْدَادُ الْعَيْبُ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ.